كثيرة التوظيف والتوصيف والتعريف ، فذاك شاعر يصف بها حبيبته ، وذاك مهندس يصف بها سيارة و اختراعاً أو مبنى ، ووظف أسمها لتعظيم شأن القصائد والأغنيات ، ولعل هذا التوظيف لكلمة السيمفونية ينبع من اصل الكلمة ذات الارتباط بأرقى صيغ الفن الموسيقي ، أو من مدلول الكلمة ومعناه الذي يعطي انطباعاً من الجمال والكمال والدقة ، المشحون بجرعة هائلة من الوجدانية والسحر، ولكن ، ما هي السيمفونية الحقة ؟ .
اصل كلمة سيمفونية يعود إلى الحضارة اليونانية القديمة وتعني صوتان أو أكثر يسمعان معاً ، وبهذا فان كلمة سيمفوني كان لها مدلول ثقافي تربوي هام وخاصةً في فلسفة أفلاطون وتعاليمه ( القرن الرابع قبل الميلاد ) وقد أطلقت كلمة سيمفوني أيضا على أي عمل موسيقي للأصوات البشرية أو للآلات يستعمل فيه فن التضاد الصوتي ( الكونترابوينت ) .
ويمتد تاريخ السيمفونية في العالم إلى ذلك العصر الذي ظهرت فيه أولى المحاولات الموسيقية الآلية المستقلة استقلالا كاملا عن الموسيقى البوليفونية الغنائية لعصر النهضة ، أي إلى مطلع القرن السابع عشر تقريبا شانها شان الأشكال الموسيقية البحتة الأخرى ، ولا يعني هذا عدم وجود موسيقى آلية مجردة من الغناء قبل هذا التاريخ .
ولقد استعملت كلمة سيمفوني في ايطاليا لأول مرة للدلالة على مقطوعات أو بضع جمل لحنية قصيرة كانت تعزف كافتتاحية أو مقدمة أوائل القرن السابع عشر . وقد وضع يوهان سباستيان باخ في صور متتاليا ته الألمانية سيمفونيات أخذت بعضها صورة الافتتاحية الفرنسية ، وفي عام 1720 كان يطلق اسم سيمفونيات على جميع المتتاليات الكبيرة التي كتبها باخ الأب للاوركسترا . وقد تطور مدلول السيمفونية ففي عام 1750 أصبحت السيمفونية الحقة تطلق على التأليف الاوركسترا لي الذي يجري فيه التفاعل وفق خطة بناء السوناتة . وكانت السيمفونيات الأولى من تأليف سمارتيني الإيطالي الذي بقيت مؤلفاته للاوركسترا ذات أهمية كبيرة . ومن العوامل التي أسهمت في تطور مفهوم السيمفونية بحيث أصبحت شكلا موسيقيا واضح الملامح نذكر تطور نظريات الموسيقى وعلومها ، وتطور طرق التعبير الموسيقي عند المؤلفين وبحثهم المستمر عن ألوان صوتية جديدة ومساحات صوتية واسعة . وتطور صناعة الآلات الموسيقية وبخاصة آلات النفخ الخشبية منها والنحاسية التي لاحتها موجة التطور الصناعي التكنولوجي مما أعطاها مقدرة أدائية وتعبيرية أوسع ، ولا ننسى دور الموسيقى في المجتمع وارتباطها بالأفكار والمثل الفلسفية والاجتماعية .
بيتهوفن ( 1770 – 1827موتسارت 1756 – 1791جوزيف هايدن 1732 – 1809
ويلاحظ في مؤلفات هايدن المقدمة البطيئة التي تتصدر بوجه عام الحركة الأولى السريعة ، وكان يمنح الكثير من أعماله عناوين تصويرية . أما موتسارت فيقوم في سيمفونياته الإحدى والأربعين بالتعديل القليل على إطارها الخارجي الذي حدده من قبل زميله الأكبر . وكتب بيتهوفن تسع سيمفونيات احترم فيها الإطار التقليدي لكنه ادخل المرونة على نظام الحركات ، ولقد استغنى عن ( المنويتو ) الذي هو في الأصل رقصة فرنسية ذات زمن ثلاثي معتدل السرعة وظفت كجزءٍ لأول مرة من قبل المؤلف ( لوللي 1632- 1687 ) حوالي عام 1650 وبعد ذلك ظهر المنويتو في العديد من المتتاليات الآلية خلا عصر الباروك . وقد ظل واحداً من الحركات الرئيسية في قالب السوناتة . واستعاض عنه برقصة(السكيرزو) ذات الميزان الثلاثي السريع الذي اخذ مكان المنويت داخل قالب السوناتة ، ففي السيمفونية الأولى حدد بيتهوفن سرعة المنويت بلفظة (الليكرو) أي مائل إلى السرعة وفق قواعد التأليف الموسيقي وبذلك يكون المنويت تلقائيا قريبا من السكيرزو وبعدها احتوت كل سيمفونياته اللاحقة على جزء السكيرزو ما عدا سيمفونيته الثامنة التي وضع فيها المنويتو الكلاسيكي .
وتنقسم السيمفونية عادة إلى أربعة أجزاء ،وهي تدور حول طبيعة سلّمية واحده تميز السيمفونية في كل عمل،فيقال مثلا السيمفونية من مقام ري الكبير لهايدن ، لأن السلّم يعطي انطباعا نفسيا معينا وشخصية مختلفة عن غيره.
ويختلف كل جزء من أجزاء السيمفونية عن الآخر في سرعته وقالبه وطابعه العام ،ويكون الجزء الأول في السيمفونية في قالب السوناتة ، الذي يتكون من ثلاث حركات هي التمهيد التعبيري والتفاعل والإعادة فالختام ويحتوي هذا الجزء من السيمفونية على الكثير من الامكانات كالتحويرات السلّمية والتنوع في الموتيف الذي يمثل اصغر خلية لحنية إيقاعية يعمل المؤلف على تكرارها بأبعاد مختلفة وتنويعات مختلفة وطبقات مغايرة لبناء اللحن .
أما الجزء الثاني في السيمفونية فيكون بطيئا وفيه أحساسا ًغنائياً هادئاً عذب الأنغام وفي قالب حر غالباً ما يكون قالب الأغنية . ويبنى الجزء الثالث على لحن مرح مستقل تقريباً بذاته ويكون غالباً من ألحان المنويت الذي سبق ذكره وجدير بالذكر إن رقصة المنويت هي من رقصات النبلاء في الحفلات ألرسميه التي كانت تقام في القصور والتي وجدت لنفسها مكاناً في أجزاء السيمفونية لإعطاء العمل جاذبية وحيوية وتكامل فني .ولعل الجزء الرابع من السيمفونية هو أوسع الأجزاء الثلاثة السابقة وغالباً ما يكون في صيغه تسمى (رو ندو) يتكرر فيها اللحن الرئيسي عدة مرات يفصل بينها في كل مرةٍ لحن اعتراضي جديد
