نشأته:.
هو أبو الشعثاء جابر بن زيد الأزدي الجوفي البصري من قبيلة اليحمد العمانية، اختلف العلماء في معنى نسبته إلى "الجوف"، أهي "درب الجوف" في البصرة حيث استقر مع أسرته، أم هي "جوف الحميلة" وهي المنطقة التي تقع فيها "الفرق" مكان ولادته.
اختلف المؤرخين في سنة ميلاده قيل ما بين "18و22للهجره" وقيل سنة "18ه الموافق628م" وقيل سنة "21للهجره" ،ويعد الأمام جابر بن زيد من أعظم رجال المذهب الأباضي ولد في قرية من قرى ولاية نزوى عاصمة عمان قديما،ثم انتقل إلى البصرة مع والديه لطلب العلم في وقت مبكر من حياته،وعاش فيها،فأمضى أكثر عمره في البصرة،وهي كانت تعد من عواصم العلم التي كان يقصدها طلاب العلم في ذلك الوقت لما اشتهرت به من حركة علمية وثقافية واسعة،إضافة إلى اعتبار البصرة بلدا ثانيا للعمانيين لما كانت تعج به من قبائلهم التي استقرت بها بقصد المسكن والتجارة في ذلك العهد،وكان الأمام جابر بن زيد يعد أعلم أهل زمانه وأحفظهم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
حياة العلمية:.
تتلمذ الأمام جابر بن زيد على أيدي كثير من صحابته رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين، وأخذ عنهم بعض العلوم، وهناك مقوله مشهورة عن الأمام جابر يقولها عن نفسه:"أدركت سبعين بدريا فحويت ما عندهم من العلم إلا البحر" وكان يقصد بالبحرعبدالله بن عباس رضوان الله عليهم بحر هذه الأمة وترجمان القرآن الكريم، وهذا يدل على حرص الأمام جابر على طلب العلم،
تابع:.
وأيضا تتلمذ على يدي السيدة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان يسألها عن كل شي من أمور الدين
حتى أنه كان يسألها عن أشياء تخص المرأة وكانت تقول له أسأل يا جابر فلا حياء في العلم،وتتلمذ أيضا على يدي أبي هريرة وعبدالله بن عمر وعبدالله بن مسعود وأنس بن مالك خام رسول الله، فهؤلاء يعدون من كبار الصحابة، وهم أقرب الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا الاقتراب يجعلنا على ثقة كاملة من المعلومات التي وصلتنا عن طريق الأمام جابر،وقد أجمعت هذه الأمة على ورعه وتقواه واسعة تبحره في العلم.
شهادة الصحابة للأمام جابر:.
كان الأمام جابر بن زيد من أنجب تلامذة ابن عباس،حتى قال فيه:"لو أن أهل البصرة نزلوا عند قول جابر ابن زيد لوسعهم علما عما في كتاب الله"ويقول أيضا:"عجبا لأهل العراق كيف يحتاجون إلينا وفيهم جابر بن زيد" ونوه ابن عباس عن غزارة علم الأمام جابر بقوله:"اسألوا جابر بن زيد فلو سأله من أهل المشرق والمغرب لوسعهم علمه" وعندما كان أهل العراق يسألون ابن عباس يرد عليهم"كيف يسألونني وفيكم جابر" وقد وصفه الصحابة ومنهم عبدالله بن عمر أنه من فقهاء البصرة البارزين، وشهادات الصحابة لأمام جابر في الحفظ والعلم والتثبيت والورع كثيرة، ويمكن الرجوع إليها في مصدرها.
وكانت ابرز سمه أتصف بها الأمام جابر هي سعة علمه،وتبحره في الفقه، ودرايته بالسنة، واشتهر أيضا بصفة العالم الذي أعطى حياته للعلم، رغم حرص الأمام جابر بن زيد على العلم والتعلم طوال حياته، يدل هذا على مسؤولياته السياسية العظيمة كان امتثالا لقول الله تعالى:.((فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين وليذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)) "سورة التوبة:123"
تابع:.
وكان هذا الامتثال سببا في عدم ظهوره في زعامة الفرقة الأباضية، واشتغال الأمام جابر بالتكوين العلمي وإرساء قواعد المذهب على أسس علمية دينية ثابتة، وهو الذي منعه من الأشتغاله بالسياسة، أصبح الأمام جابر من أكبر العلماء في عصره، لاسيما في علوم الشريعة الإسلامية، وكان يقول عن نفسه:."سألت ربي عن ثلاث فأعطانيهن :.سألت زوجة مؤمنة، وراحلة صالحة، ورزقا كفافا يوم بيوم" وكان يخاطب أصحابه ويقول:."ليس منكم رجل أغنى مني، ليس عندي درهم وليس على دين" وهذا يدل على أن الأمام جابر كان زاهدا وانصرافه إلى العلم والتعلم، حتى أصبح مرجع لكل سائل في الفقه الإسلامي، ولم يقتصر دور الأمام جابر على ميدان العلم والتقوى، وأنما تعدى إلى محاولة تغيير الواقع السيئ إلى واقع أفضل، وإحياء سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقبول والعمل، وكان يدعوا إلى التمسك المتين بالدين القويم، والخلق الحميد بين الناس، والمحافظة على أصول الدين وفروعه، وكان يفتي في المشاكل التي يتعرض الناس لها، حتى قال إياس بن معاوية:."لقد رأيت البصرة وما فيها مفت غير جابر بن زيد".
تلامذة الأمام جابر بن زيد:.
من أشهر تلامذة الأمام جابر هم قتادة شيخ الأمام البخاري وأيوب، وعمرو بن دينار، وعبدالله بن أباض، وأبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي، وحيان الأعرج، وضمام بن السائب، وأبو نوح صالح الدهان، وسلمه بن سعد الحضرمي حمل المذهب الأباضي إلى المغرب، وواضع الحركة بها كما تخرج على يديه تلامذتا من عمان وخرسان، وحضرموت، واليمن، وغيرها.
وأصبح مؤسسا لمدرسة فكرية مستقلة في عصره، وكان متفرغا طول حياته للعلم والدراسة، حتى أنه رفض تولي المناصب الإدارية في عصر الدولة الأموية عامة وعصر الحجاج بن يوسف الثقفي خاصة رغم الإغراءات التي كانت تصله منهم.
وفاته:.
اختلف العلماء والمؤرخين في سنة وفاته منهم من قال 93 هجري(الموافق 711م) ومنهم من قال سنة 96هجري، والقول الأول هو الأصح والأرجح وكانت وفاته رضي الله عنه بالبصرة وقيل بعمان، يذكر أنه دخل ثابت البناني على جابر بن زيد وقد حضرته الوفاة فقال له :هل تشتهي شيئا ؟؟ قال : أشتهي أن ألقي الحق البصري ،وكان الحسن مستخفيا خوفا من طغيا الأمويين ، وعمالهم ، فذهب ثابت إلى الحسن وكان يعرف مقره وجاء به إلى صديقة الحميم المحتضر ، وتحدث التابعي المسلم الكبير ، وتواصيا وهما يتأهبان إلى فراق في الدنيا طويل ويأملان لقاء في الآخرة سعيد تحدث الحسن البصري عن زميله الأمام جابر بن زيد الذي رحل عن الدنيا قال "هذا والله الفقيه العالم " وقال الصحابي الجليل أنس بن مالك صاحب رسول الله صلي الله عليه وسلم "اليوم مات أعلم من على ظهر الأرض" وقال قتادة شيخ الأمام البخاري:."اليوم مات عالم الأرض" وفي رواية أخرى لمقولة الأمام جابر لما تمنى رأيت الحسن البصري، فلما أتى الحسن البصري سأله جابر بقوله:. أخبرني يا أبا سعيد عن حديث ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المؤمن إذا حضرته الوفاة. قال:. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم" إن المؤمن إذا حضرته الوفاة وجد على كبده بردا" فقال جابر:. الله أكبر أني أجد على كبدي بردا ثم قبض رحمة الله ورضوانه.
